فالأَرْضُ تؤيِّد هذَا الحكْمَ ..
إليكم قصّة تعيد الصّواب لكثير ممّن يجهلون أو ينسون هذا الحكم .. قصّة لا بدّ أن تعِظ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ..
قصّة جاءت في " مسند أبي يعلى " بسند صحيح عَنْ جُنْدُبِ بن عبد الله البَجَليّ قَالَ:
" إِنِّي عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم إِذْ جَاءَهُ بَشِيرٌ مِنْ سَرِيَّةٍ بَعَثَهَا، فَأَخْبَرَهُ بِنَصْرِ اللهِ الَّذِي نَصَرَ سَرِيَّتَهُ وَبِفَتْحِ اللهِ الَّذِي فَتَحَ لَهُمْ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ! بَيْنَمَا نَحْنُ بِطَلَبِ العَدُوِّ وَقَدْ هَزَمَهُمْ اللهُ، إِذْ لَحِقْتُ رَجُلاً بِالسَّيْفِ، فَلَمَّا أَحَسَّ أَنَّ السَّيْفَ قَدْ وَاقَعَهُ، اِلْتَفَتَ وَهُوَ يَسْعَى، فَقَالَ: " إِنِّي مُسْلِمٌ ! إِنِّي مُسْلِمٌ !" فَقَتَلْتُهُ، وَإِنَّمَا كَانَ-ياَ نَبِيَّ اللهِ !- مُتَعَوِّذًا. قَالَ صلّى الله عليه وسلّم: (( فَهَلاَّ شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ فَنَظَرْتَ صَادِقٌ هُوَ أَوْ كَاذِبٌ ؟!)) قَالَ: لَوْ شَقَقْتُ عَنْ قَلْبِهِ ! مَا كَانَ يُعْلِمُنِي القَلْبُ ؟! هَلْ قَلْبُهُ إِلاَّ مُضْغَةٌ مِنْ لَحْمٍ ؟! قَالَ صلّى الله عليه وسلّم: (( فَأَنْتَ قَتَلْتَهُ لاَ مَا فِي قَلْبِهِ عَلِمْتَ، وَلاَ لِسَانَهُ صَدَّقْتَ )). قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ ! اِسْتَغْفِرْ لِي. قَالَ صلّى الله عليه وسلّم: (( لاَ أَسْتَغْفِرُ لَكَ ))..
فَدَفَنُوهُ، فَأَصْبَحَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَوْمُهُ اسْتَحْيَوْا، وَخَزُوا مِمَّا لَقِيَ، فَحَمَلُوهُ فَأَلْقَوْهُ فِي شِعْبٍ مِنْ تِلْكَ الشِّعَابِ "..
هل هو منافق ؟.. هل كان من المرائين في جهاده ؟.. لا والله .. بل كان من المؤمنين. فما حاله إذن ؟!!
لقد جاء عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ما يبيّن حاله، وكان في تفسيره صلّى الله عليه وسلّم شيءٌ يُعِيد الأمل لذلك الفارس ..
روى ابن ماجه والطّبرانيّ في " المعجم الكبير " (18/226) عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ رضي الله عنه قَالَ:
" شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم وَقَدْ بَعَثَ جَيْشًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، فَلَمَّا لَقُوهُمْ قَاتَلُوهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا، فَمَنَحُوهُمْ أَكْتَافَهُمْ، فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنْ لُحْمَتِي عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِالرُّمْحِ، فَلَمَّا غَشِيَهُ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، إِنِّي مُسْلِمٌ.
فَطَعَنَهُ، فَقَتَلَهُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! هَلَكْتُ ![إِنِّي أَذْنَبْتُ فَاسْتَغْفِرْ لِي] قَالَ صلّى الله عليه وسلّم: (( وَمَا الَّذِي صَنَعْتَ- مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ-)) فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي صَنَعَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم: (( فَهَلَّا شَقَقْتَ عَنْ بَطْنِهِ فَعَلِمْتَ مَا فِي قَلْبِهِ ؟)) قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ! لَوْ شَقَقْتُ بَطْنَهُ لَكُنْتُ أَعْلَمُ مَا فِي قَلْبِهِ ؟! قَالَ: (( فَلَا أَنْتَ قَبِلْتَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ، وَلَا أَنْتَ تَعْلَمُ مَا فِي قَلْبِهِ )). قَالَ: فَسَكَتَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى مَاتَ، فَدَفَنَّاهُ، فَأَصْبَحَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ، فَقَالُوا: لَعَلَّ عَدُوًّا نَبَشَهُ.
فَدَفَنَّاهُ، ثُمَّ أَمَرْنَا غِلْمَانَنَا يَحْرُسُونَهُ، فَأَصْبَحَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ، فَقُلْنَا: لَعَلَّ الْغِلْمَانَ نَعَسُوا. فَدَفَنَّاهُ، ثُمَّ حَرَسْنَاهُ بِأَنْفُسِنَا، فَأَصْبَحَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِن فَأَلْقَيْنَاهُ فِي بَعْضِ تِلْكَ الشِّعَابِ، فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم فَقَالَ: (( إِنَّ الْأَرْضَ لَتَقْبَلُ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ أَحَبَّ أَنْ يُرِيَكُمْ تَعْظِيمَ حُرْمَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ))-وفي رواية الطّبرانيّ: (( إِنَّ اللهَ أَرَادَ أَنْ يُعَلِّمَكُمْ تَعْظِيمَ الدَّمِ ))-.
المتحدّث الرّسميّ عن جميع القلوب هو الوحي، والوحي فقط .. فإذا لم يكن ثمّة وحيٌ فالقلب هو ما أمامك لا ما تسافر به الظّنون ..
وموقفه صلّى الله عليه وسلّم من المنافقين يؤكّد ذلك أيضا ..