غامرْ .. تنجحْ
- العرب أكثر من تحدّثوا عن فضائل المغامرة ثم أحجموا عنها.
يقولون: "الحياة إما أن تكون مغامرة جريئة.. أو لا شيء". وهي مقولة صادقة إلى أبعد الحدود إذا علمنا أن الحياة بلا مغامرة شبيهة بنهر راكد آسن، لا حركة فيه ولا حياة. المشكلة الكبرى أن هذه المقولة غربية، وكالعادة أمتنا العربية والإسلامية أولى بها، وإن كان تغيير كلمة "المغامرة" بـ"التوكل على الله" قد يكون أفضل بشكل أو بآخر.. على أننا سنحافظ على كلمة المغامرة في هذا المقال؛ لما فيها من شحنات كبيرة، ولأن آذان الناس قد ألفتها.
في حوار له مع جريدة (الشرق الأوسط) اللندنية في العام الماضي قال أحد مسؤولي شركة شهيرة في إنتاج البرمجيّات: إنه تعلم من الغرب أنّ أي مشروع يحتمل 50% ربحاً و50% خسارة؛ فهو مشروع يستحق الإقبال عليه. بينما وجد في الدول العربية بصفة عامة أن العربي يفضل "المشي جنب الحائط" كما يقولون. وهو يفضل المشروعات المضمونة مائة بالمائة على غرار الوظيفة العمومية مثلاً.
والغريب أن من قال:
ومن يتهيبْ صعودَ الجبال ** يعِشْ أبد الدهر بين الحُفر
هو شاعر عربي!! وكأن أغلبنا اختار فعلاً أن يبقى بين الحفر طواعية!
في الواقع لا يوجد ناجح لم يغامر، وليس هناك نجاح إلا وفيه نسبة مغامرة.. فليس من المبالغة إذا قلنا: "نصف الثروة في المغامرة".
صحيح أنه من "خاف سَلِم"، وأن الجلوس قرب الحائط أكثر سلامة وأمناً. لكن هل خُلق الإنسان لهذا؟ هل ديدن (أسلوب) المؤمن الخوف أولاً أم الشجاعة؟ يقول أحد الأمثلة الجميلة: السفينة عند ساحل البحر أكثر منها أماناً في عُرض البحر، ولكن هل السفينة خُلقت لمثل ذلك؟
بالتأكيد هناك حالات لا تُستحبّ فيها المغامرة، ويُفضّل فيها الانسحاب أو إيثار السلامة الواضحة. وفي هذا السياق يقول أحد الخبراء الإداريين حينما يتحدث عن فنون النجاح: "... الشجاعة أن تقدم حيث ترى الإقدام عزماً، وأن تحجم حيث ترى الإحجام حزماً". ولذلك فإن الأمر يختلف من شخص لآخر، ومن حالة لأخرى؛ فلربما يكون المطلوب في حالات معينة الانسحاب، أو التنازل عن بعض الآمال، وتكون في ذلك الشجاعة.. فمن يكتشف أنه في حالة الانزلاق من الجبل إلى الوادي تكون الشجاعة في توقّفه، وليس في استمرار انزلاقه... إن المغامرة شأنها شأن كل الصفات الحميدة وسطٌ بين رذيلتين: التهور والجبن..".
ويتابع الخبير الاداري "... إن الأمر يشبه من وصل إلى هدفه، ومن لم يصل بعد؛ فمن وصل فلا بد من أن يستقر، ومن لم يصل بعد فلا بد أن يستمر في المسير.. فأولئك الذين لا يملكون شيئاً لا بد من أن يغامروا لعلهم يحصلون على ما يريدون، أما الذين امتلكوا فإن عليهم أن يحسبوا ألف حساب قبل أن يقدموا...".
ميزات المغامرة
وللمغامرة ميزات يمكن أن نسردها حتى تتأكد أنك لن تخسر أبداً ما دمت تسعى بجد واجتهاد لتنفيذ أهدافك.. بل ستحصد مكاسب، منها:
1- الخبرة العملية: فقد تخفق في مشروع ما، لكنه حقق لك في الوقت نفسه خبرة عملية قد لا يعطيها لك أحد؛ فإذا اكتشفت أن سبب إخفاق مشروعك هو عدم دراسة التسويق جيداً.. فستعمل في أي فرصة جديدة لإقامة مشروع آخر على دراسة ذلك.. فاكتساب الخبرة يحتاج إلى تضحية أحياناً أو بمعنى أدق تكلفة.
2- تجنّب الحسرة والندم: إن المغامر حتى وإن خسر في مغامرته يبقى راضياً عن نفسه متحمساً لأي مغامرة قادها؛ لأن مجرد خوضه لها يعني استعداده المباشر لقبول الخسارة أو الربح.
3- استغلال الفرص: فالمغامر هو أول من يستغل الفرص؛ علماً أنها قد تمرّ دون أن يلقي لها الإنسان بالاً، لكن المغامر -بطبعه اللّماح الشجاع- يستطيع تقدير الفرصة وملاحظتها والإقدام عليها بالتالي.
4- الرضا عن النفس: تترك المغامرة بما فيها من شجاعة وطبع محمود أثراً متميزاً وإيجابياً في نفسية الشخص المغامر.
5- احترام الآخرين: يكسب المغامر احترام الآخرين حتى في حالة خسارته للمشروع أو إخفاقه في المحاولة. فطبعه القوي المقدام يفرض على الآخرين نوعاً من الاحترام، شاؤوا ذلك أم أبوا.
6- النجاح: النجاح في كل شيء، وهو العنوان الرئيس للمغامرة وهدفها الأول؛ ذلك أن النجاح في حاجة ماسّة إلى الإقدام وقوة المغامرة. وكمثال لطيف على ذلك هناك قاعدة فيزيائية تقول: القوة الدافعة = (الوزن × السرعة)، وهكذا.. فحتى قوانين الطبيعة تساعد المغامر السريع.. حتى وإن كان وزنه خفيفاً؛ فإنه بإقدامه وسرعته يحقق قوة دافعة كبيرة.
7- فحص الأفكار: فمعظم المغامرين يدرسون أفكارهم جيداً قبل أن يقدموا عليها، فإذا نويت أن تنفذ مشروعاً فلتعرفْ جيداً مثلاً عناصر الجدوى الاقتصادية للمشروع، من تكاليف وإيرادات وأرباح والقدرة التسويقية والمشروعات المنافسة، وهكذا.
كيف تكتسب روح المغامرة؟
كل المغامرين سواء كانوا طامحين للثروة أو لنجاح مشروعاتهم، لهم مواصفات مشتركة.. وإذا أردت أن تكون منهم فاعمل على اكتسابها:
1- الإرادة الصلبة: الإرادة هي العامل الأول في كل عمل تنوي الإقدام عليه، ولا تنتظر أن تنزل عليك هذه الإرادة من السماء؛ بل اكتسبها من الأرض كما يقولون! وإذا أردت أن تكتسب تلك الإرادة فعليك أن ترمي بنفسك في أتون الحياة دون تردّد، ادخل معارك الحياة حتى بدون سلاح إن تطلّب الأمر ذلك في البداية. ستكتشف بعدها أنك تعوّدت على الأمر، ولم تعد تجد أي صعوبة في خوض أصعب المعارك ومواجهة أعتى العواصف.
2- اكتب مخاوفك: في جلسة مصارحة مع النفس، اكتبْ كل مخاوفك، ثم قررْ أن تواجهها واحداً واحداً. فإذا كنت تخاف مثلاً من التقدم بطلب للعمل فابدأ بأن تكتب طلب عمل، وتوجّه في الغد إلى أول شركة وقدّم طلبك، ولا تتردّد... وهكذا دواليك. فلا يقهر الخوفَ إلا مواجهتُه.
3- عامِل الخوف كما تُعامِل الحريق: كلنا نطفئ الحريق بمجرد رؤيتنا للشرارة الأولى؛ ذلك أننا نعلم ما سيحدث بعدها لو أننا -لا قدّر الله- تهاونَّا. وعلى هذا الأساس يجب أن تعامل مخاوفك، وأن تحدّ من انتشارها منذ الوهلة الأولى؛ فالخوف كالنار يتزايد بشدة وضراوة إن لم يجد من يحدّ من انتشاره، وكلما زاد توغّله في النفس صعبت مهمة انتزاعه منها.
4- طالعْ وتعرفْ على أخبار الناجحين من المغامرين: وذلك في الكتب والمراجع وعلى شبكة الإنترنت، بل وحتى في قصاصات الأخبار أحياناً، وهي بمثابة غذاء روحي ممتاز لمن يريد أن يلبس عباءة المغامرة وأن تسكنه روحها، والأمثلة على ذلك كثيرة، أشهرها المغامرون الذين يهوون تحطيم الأرقام القياسية، والذين ما كانوا ليُعرفوا ويحققوا كل هذا النجاح لو أنهم قرروا البقاء في بيوتهم تحت الأغطية.
حذارِ من التهور
وكما قلنا سابقاً فإن شعرة رقيقة تلك التي تفصل المغامرة عن التهور؛ فالمغامِر هو الذي يطير بطائرة شراعية مغامراً بنسبة 2%، والمتهوّر هو الذي يلقي بنفسه من أعلى الجبل دون أي وسيلة طيران. المغامرة هي إقدامٌ معروفةٌ عواقبه سابقاً، وهي لن تكون كارثية في الأغلب الأعم. أما التهوّر فنتيجته المباشرة الوحيدة والحتمية هي الهلاك. والبون شاسع جداً بين الاثنين.
هيا.. اكتشفْ لذّة المغامرة.. خضْ غمارها.. توكَّلْ على الله.. وانظرْ كم هي الحياة رائعة بهذه الصفة المحمودة!!